لست أريد في هذا الحديث أن أتابع تطور الأدب في المغرب خلال المرحلة التي مرت منذ ابتداء هذا القرن. فالقراء ولا شك تتبعوا نماذج من هذا الأدب وعرفوا بعض مظاهره وقرأوا صورا من شعره ونثره، قصصه وبحوثه، وعرفوا أسماء لمعت من كتابه وشعرائه، وربما عرفوا أسماء ظهرت وهي في طريق اللمعان. وإنما أريد أن أقف وقفات تتجلى فيها بعض مظاهر هذا الأدب لنرسم له صورة نقدية لا تاريخية نفتح فيها مجالا للمناقشة. ولذلك فكل ما سأقوله لا أبغي من ورائه أن أصدر أحكاما فاصلة. فالنقد عندي أساسه الحرية، والحرية لا تقبل التحكم ولا تستسيغ الأحكام المطلقة. والحكم المطلق إذا صح أن يتجلى في شيء ما، فلا يجوز أن يتجلى في الأعمال الأدبية. وإلا كان خروجا عن شرك الأدب الذي هو الحرية، والحرية المطلقة التي لا يقدح فيها التزام ولا يحد منها اعتناق مذهب وترسم هدف. إذا كانت نهضة الأدب العربي بالمغرب جاءت متأخرة عن نهضته في بلاد المشرق عامة، فإنما ذلك للظروف السياسية والحضارية التي عاشها المغرب في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن. فقد عاشت بلادنا حياة عزلة فرضتها ظروف سياسية عالمية ومحلية كان المغرب فيها يعتز ب...